المواضيع الأخيرة
بحـث
لأسرة في القرآن.. محاولة للفهم
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
لأسرة في القرآن.. محاولة للفهم
قوم الاجتماع الإنساني على بنيتين أساسيتين: الأولى هي الأسرة، والثانية هي الأمة، وقد جعل الله هدف النشاط الإنساني في الحياة تحقيق "السكينة الاجتماعية" في هاتين المؤسستين. ففي السكينة الأسرية يقول الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21).
وفي سكينة الأمة يقول الله تعالى: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لَكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" (البقرة: 248).
أي أن آية الملك الصالح هي تعظيم الحفاظ على السكينة وعلى القيم الخالدة التي جاءت وحيًا "بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة"، والتابوت يمثل أدوات هذا الحفظ من مناهج وبرامج وخطط في السياسية والاقتصاد والاجتماع.
والقرآن يستخدم كلمة "السكينة" بمعنى السلام الداخلي الديناميكي، وفي سورة الفتح يقول المولى عز وجل: "إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" (الفتح: 26).
السكينة في مقابل الحمية الجاهلية
فالسكينة الاجتماعية هي الضد للحمية الجاهلية التي تجعل الناس أحزابًا وشيعا يتقاتلون على المتاع الزائل في هذه الحياة الدنيا، وهذه الحمية الجاهلية هي العنوان الواضح لفساد الحكم.
أما السكينة الأسرية التي جعلها الله هدفا للنشاط الإنساني داخلها فهي سكينة تقوم أيضًا على الحفاظ على القيم الخالدة التي جاءتنا وحيا، وليست سكينة تقوم على التراضي المؤقت على قيم غير ربانية. وفي الآية الكريمة كلمتان حاكمتان: الخلق والجعل، فشاءت إرادة الله أن يخلق لنا من أنفسنا أزواجًا لنسكن إليها، أي نحقق سويًّا السكينة التي يأمرنا الله بجعلها هدفا لكل نشاطنا الإنساني، ثم علمنا المولى أن الطريق لتحقيق هذه السكينة يتمثل في أمرين، هما: المودة والرحمة في التعاملات بين الزوجين. فالجعل في هذه الآية هو مشيئة إلهية أو قل هو سنة من سنن الله تعالى.
إن الطريق إلى السكينة يحتاج إلى عمل إنساني في اتجاهين: المودة والرحمة، فالجعل في هذه الآية هو مشيئة إلهية وعمل إنساني، والتواد هو أن أجعل نشاطي مع الآخر محاطا بالحب القاصد وجه الله، حتى في أخص العلاقات بين الزوجين، حيث يتوجهون بها إلى مرضاة الله تعالى، فيثيبهم عليها سكينة وأمنا (وإن في بُضع أحدكم لصدقة..)، والتواد في حدود القدرة، وقد يكون أحد الزوجين أقدر من الآخر، وهنا تدخل الرحمة؛ فالأمر ليس توادًّا فحسب، وإنما يرحم أحدنا الآخر فيما لم يقدر عليه.
وتأكيدا لهذه المعاني انظر إلى قول الله تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى...." (الأحزاب: 33)، ولقد رأى فيها البعض معنى: الْزمْنَ البيوت؛ فلا تخرجن منها لغير حاجة مشروعة، ولكن لفظة "قَرْن" و"قِرْن" كلاهما من القرار، وهو السكون الجميل أو السكينة، ومنه أيضًا "وَقَرِّي عَيْنًا": أَمْرٌ من قرَّت عينه تقِرُّ بالكسر والفتح قُرَّة وقَرَّة وقُرورا إذا رأت ما كانت متشوقة إليه، مأخوذة من القرار بمعنى الاستقرار أي السكون الجميل والسكينة. فإن كان هذا الاستقرار وهذه السكينة تستلزم البقاء في البيت فلا مانع، ولكن الآية أشمل من ذلك، والهدف واضح وهو تحقيق السكينة في الخلية الأساسية في جسد الاجتماع الإنساني: الأسرة.
قوى التماسك في الأسرة
وكما يحدث في الذرة والجزيئات التي تكون أي مادة والتي تحتاج إلى قوى تماسك تمسك بالذرة وبالجزيء؛ فإن الأسرة (النواة الاجتماعية) تحتاج إلى قوى تماسك حتى تستقر في مدارها الاجتماعي، وأحسب أن أهم قوتين هما: الحاجة الإنسانية للحب والجنس والشوق إلى الذرية "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" (آل عمران: 14).
ولتحقيق القوة الناتجة عن الحاجة للحب والجنس ينبغي أن تكون للرجل هيمنة وفحولة، وأن تكون للمرأة رقة وخضوع؛ فالفحولة والهيمنة في جانب الرجل، والرقة والخضوع في جانب المرأة يولدان قوة الجاذبية المطلوبة للاستقرار والسكينة؛ ولذلك أمر الله نساء المؤمنين ألا يخضعن بالقول لغير أزواجهن حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، أي أن هذا التوزيع للقوة والضعف ليس تقسيمًا عشوائيًّا، وإنما هو تقسيم لتحقيق غاية واضحة ألا وهي توليد إحدى القوى التي تمسك بالأسرة مستقرة آمنة، وكذلك أودع الله في النفس الإنسانية الشوق إلى الذرية؛ ولأن المرأة تضطلع في هذا الأمر بالجهد الأوفى "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ"؛ فإنها في حمله ورضاعته وفطامه تحتاج إلى كل ما حباها الله به من رقة وضعف، وهو ضعف جميل، يتفطر قلبها أمام آلامه؛ فتسعى إليه راعية وحامية وحاضنة في رفق رفيق وحب عميق؛ ولذلك فإن خضوعها وضعفها يساعدان على نمو القوتين (الحب والجنس والشوق إلى الذرية) ولعل هذا ه! و معنى قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ..." (النساء: 34).
القوامة والفضل
فقوامة الرجال على النساء فيها فضل للرجال على النساء وفيها فضل للنساء على الرجال، والفضلان من عند الله؛ فقوة الرجل وفحولته فضل الله للرجال على النساء، ورقة المرأة وضعفها فضل من الله للنساء على الرجال.
ولأن رقة المرأة وضعفها الجميل من مطالب رسالتها في الأسرة، فإن عملها خارج نطاق الأسرة ينبغي ألا يفسد عليها هذه الطبيعة، ويجعلها تعيش في ازدواجية تنغص حياتها؛ فهي في موقع خشنة مهيمنة، وفي موقع آخر رقيقة ضعيفة.
ونحن نعرف أن هناك تأثيرا متبادلا بين طبائع الأعمال وطبائع الناس؛ فهناك طبائع تكتسب من طريقة الأعمال، كما أن طبائع الأعمال تحتاج إلى طبائع في الناس.. كل عمل بطبيعته -أو بتعبير ابنة شعيب- يحتاج إلى قوة وأمانة، والقوة هنا عامة؛ فقد تكون القوة المطلوبة هي الضعف الجميل -كما قلنا من قبل-، وكما يقول الفقهاء كل ولاية تحتاج إلى نوع من القوة بحسبها، وكذلك إلى الأمانة، مستشهدين بقولة ابنة شعيب.
ولذلك فتقسيم الأعمال بين الرجل والمرأة ينبغي أن يحافظ على قوى التماسك بينهما، والأمر كله يحتاج إلى دراسات دائبة في ظل أنواع مختلفة من النظم التنموية، وقبل أن أتحدث عن هذه النقطة الهامة (المرأة والتنمية) أذكر قصة قرأتها في مقال للدكتورة بنت الشاطئ -رحمها الله- قالت: إنها كانت تزور أديبة شهيرة في النمسا في أيام العطلة الأسبوعية، ولاحظت بنت الشاطئ أن الأديبة النمساوية الشهيرة قد شمرت عن ساعديها لتكنس البيت، وترتب الأثاث، وتقوم بنفسها على طهو الطعام، ولما أبصرت الأديبة النمساوية أن بنت الشاطئ تتعجب من هذا كله، قالت لها: إنني أحاول أن أكون امرأة، إن الحياة التي نعيشها في الغرب خلقت منا صنفًا ثالثًا؛ فلا الرجال رجال ولا النساء نساء، وأنا أحاول أن أحتفظ لنفسي ببعض مقومات المرأة.
المرأة والتنمية
عود إلى قضية المرأة والتنمية، ولنتذكر أننا يجب -في ظل نظام تنموي معين- أن نصوغ ونصمم منظومة الأعمال التي تحقق بها المرأة حاجة اقتصادية في الأسرة والمجتمع مع الحفاظ على قوى التماسك الأسري.
وفي القرى والنجوع عندما كنا أطفالا وصبيانا استقر هناك نظام للعمل مقسم بين الرجل والمرأة في ظل الظروف التنموية السائدة، وكان نظاما منتجا وعادلا ومحافظا على قوى التماسك في الأسرة، وفي ظل النظام التنموي الذي نعيشه الآن في المدن -حيث يتكدس معظم أهل مصر- أصبحت المرأة وأولادها مسجونين في شقق ضيقة تكفي بالكاد لنومهم، ولم يعد المنزل مكانًا منتجا، بل أصبح بالوعة استهلاكية؛ ومن ثم لم يعد هناك عمل تقوم به المرأة كما تقوم به امرأة الريف في بيتها الريفي. إن أعمال المنزل في المدن الآن قد لا تستغرق ساعة أو ساعتين، ويبقى اليوم كله أمام ربة المنزل وأولادها ليمضوه في مشاحنات وصراع ولهو ولعب.
إن النظام التنموي الذي انجرفنا إليه هو من صنيع قياداتنا الاقتصادية والسياسية التي تود أن تضع مصر كلها في مدينة واحدة وتحكم حولها الحصار الأمني.. وأنا لا أريد أن أضيع الوقت في إلقاء اللوم هنا وهناك، ولكن فلنعلم جميعًا أننا أمام كارثة تنموية نتجت عن الاكتظاظ في المدن مخالفين بذلك قول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ..."، ويعلق الإمام الرازي على هذه الآية بأن التفسح إن كان مطلوبًا في المجالس فهو في المجتمع أكثر طلبًا.. يفسح الإنسان لأخيه الإنسان في الحياة بإعانته على المضي فيها؛ أي بمساعدته ليجد لنفسه عملا.
والعمل الأهلي مدعو الآن لعمل شيء في مجال تصميم أنواع من التنمية الاستنقاذية، حتى ننقذ أهل المدن من هذا الموت التنموي الذي يعيشون فيه، وخاصة أن الدولة لاهية عن هذا الأمر، وإن كنت قد سمعت أن هناك محاولات أو نداءات في هذا الاتجاه من بعض الجهات في الدولة.. على كل حال على كل القوى الوطنية من كافة التوجهات أن تتساند وتتآزر في سبيل تصميم برامج تنموية تصلح للمرأة وغيرها في ظل ظروف الكارثة الاكتظاظية التي نعيشها وربما استفدنا من تجارب شعوب أخرى إن كان هناك مثيل لخيبتنا. إن هذا الاستنقاذ التنموي لن ينقذ أوقات المرأة فقط، وإنما سينقذ الأسرة كلها.
في طفولتي وصباي كان التعليم يمثل ثلاثين في المائة من نشاطي، بينما كانت بقية الوقت للعمل التنموي مع أسرتي في الحقل، وفي ورشة أبي لصناعة الأحذية، وفي العمل الاجتماعي.
أكرر أيها الشباب.. ركزوا على تجميع الأمة حول مشاريع تنموية تحفظ للأسرة تماسكها الداخلي وتماسكها الخارجي في مواجهة قوى الهيمنة، فلن نستطيع أن نقاوم الهيمنة وبطوننا جائعة وأعيننا زائغة وقلوبنا واجفة.
والله من وراء القصد
وفي سكينة الأمة يقول الله تعالى: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لَكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" (البقرة: 248).
أي أن آية الملك الصالح هي تعظيم الحفاظ على السكينة وعلى القيم الخالدة التي جاءت وحيًا "بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة"، والتابوت يمثل أدوات هذا الحفظ من مناهج وبرامج وخطط في السياسية والاقتصاد والاجتماع.
والقرآن يستخدم كلمة "السكينة" بمعنى السلام الداخلي الديناميكي، وفي سورة الفتح يقول المولى عز وجل: "إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" (الفتح: 26).
السكينة في مقابل الحمية الجاهلية
فالسكينة الاجتماعية هي الضد للحمية الجاهلية التي تجعل الناس أحزابًا وشيعا يتقاتلون على المتاع الزائل في هذه الحياة الدنيا، وهذه الحمية الجاهلية هي العنوان الواضح لفساد الحكم.
أما السكينة الأسرية التي جعلها الله هدفا للنشاط الإنساني داخلها فهي سكينة تقوم أيضًا على الحفاظ على القيم الخالدة التي جاءتنا وحيا، وليست سكينة تقوم على التراضي المؤقت على قيم غير ربانية. وفي الآية الكريمة كلمتان حاكمتان: الخلق والجعل، فشاءت إرادة الله أن يخلق لنا من أنفسنا أزواجًا لنسكن إليها، أي نحقق سويًّا السكينة التي يأمرنا الله بجعلها هدفا لكل نشاطنا الإنساني، ثم علمنا المولى أن الطريق لتحقيق هذه السكينة يتمثل في أمرين، هما: المودة والرحمة في التعاملات بين الزوجين. فالجعل في هذه الآية هو مشيئة إلهية أو قل هو سنة من سنن الله تعالى.
إن الطريق إلى السكينة يحتاج إلى عمل إنساني في اتجاهين: المودة والرحمة، فالجعل في هذه الآية هو مشيئة إلهية وعمل إنساني، والتواد هو أن أجعل نشاطي مع الآخر محاطا بالحب القاصد وجه الله، حتى في أخص العلاقات بين الزوجين، حيث يتوجهون بها إلى مرضاة الله تعالى، فيثيبهم عليها سكينة وأمنا (وإن في بُضع أحدكم لصدقة..)، والتواد في حدود القدرة، وقد يكون أحد الزوجين أقدر من الآخر، وهنا تدخل الرحمة؛ فالأمر ليس توادًّا فحسب، وإنما يرحم أحدنا الآخر فيما لم يقدر عليه.
وتأكيدا لهذه المعاني انظر إلى قول الله تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى...." (الأحزاب: 33)، ولقد رأى فيها البعض معنى: الْزمْنَ البيوت؛ فلا تخرجن منها لغير حاجة مشروعة، ولكن لفظة "قَرْن" و"قِرْن" كلاهما من القرار، وهو السكون الجميل أو السكينة، ومنه أيضًا "وَقَرِّي عَيْنًا": أَمْرٌ من قرَّت عينه تقِرُّ بالكسر والفتح قُرَّة وقَرَّة وقُرورا إذا رأت ما كانت متشوقة إليه، مأخوذة من القرار بمعنى الاستقرار أي السكون الجميل والسكينة. فإن كان هذا الاستقرار وهذه السكينة تستلزم البقاء في البيت فلا مانع، ولكن الآية أشمل من ذلك، والهدف واضح وهو تحقيق السكينة في الخلية الأساسية في جسد الاجتماع الإنساني: الأسرة.
قوى التماسك في الأسرة
وكما يحدث في الذرة والجزيئات التي تكون أي مادة والتي تحتاج إلى قوى تماسك تمسك بالذرة وبالجزيء؛ فإن الأسرة (النواة الاجتماعية) تحتاج إلى قوى تماسك حتى تستقر في مدارها الاجتماعي، وأحسب أن أهم قوتين هما: الحاجة الإنسانية للحب والجنس والشوق إلى الذرية "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" (آل عمران: 14).
ولتحقيق القوة الناتجة عن الحاجة للحب والجنس ينبغي أن تكون للرجل هيمنة وفحولة، وأن تكون للمرأة رقة وخضوع؛ فالفحولة والهيمنة في جانب الرجل، والرقة والخضوع في جانب المرأة يولدان قوة الجاذبية المطلوبة للاستقرار والسكينة؛ ولذلك أمر الله نساء المؤمنين ألا يخضعن بالقول لغير أزواجهن حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، أي أن هذا التوزيع للقوة والضعف ليس تقسيمًا عشوائيًّا، وإنما هو تقسيم لتحقيق غاية واضحة ألا وهي توليد إحدى القوى التي تمسك بالأسرة مستقرة آمنة، وكذلك أودع الله في النفس الإنسانية الشوق إلى الذرية؛ ولأن المرأة تضطلع في هذا الأمر بالجهد الأوفى "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ"؛ فإنها في حمله ورضاعته وفطامه تحتاج إلى كل ما حباها الله به من رقة وضعف، وهو ضعف جميل، يتفطر قلبها أمام آلامه؛ فتسعى إليه راعية وحامية وحاضنة في رفق رفيق وحب عميق؛ ولذلك فإن خضوعها وضعفها يساعدان على نمو القوتين (الحب والجنس والشوق إلى الذرية) ولعل هذا ه! و معنى قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ..." (النساء: 34).
القوامة والفضل
فقوامة الرجال على النساء فيها فضل للرجال على النساء وفيها فضل للنساء على الرجال، والفضلان من عند الله؛ فقوة الرجل وفحولته فضل الله للرجال على النساء، ورقة المرأة وضعفها فضل من الله للنساء على الرجال.
ولأن رقة المرأة وضعفها الجميل من مطالب رسالتها في الأسرة، فإن عملها خارج نطاق الأسرة ينبغي ألا يفسد عليها هذه الطبيعة، ويجعلها تعيش في ازدواجية تنغص حياتها؛ فهي في موقع خشنة مهيمنة، وفي موقع آخر رقيقة ضعيفة.
ونحن نعرف أن هناك تأثيرا متبادلا بين طبائع الأعمال وطبائع الناس؛ فهناك طبائع تكتسب من طريقة الأعمال، كما أن طبائع الأعمال تحتاج إلى طبائع في الناس.. كل عمل بطبيعته -أو بتعبير ابنة شعيب- يحتاج إلى قوة وأمانة، والقوة هنا عامة؛ فقد تكون القوة المطلوبة هي الضعف الجميل -كما قلنا من قبل-، وكما يقول الفقهاء كل ولاية تحتاج إلى نوع من القوة بحسبها، وكذلك إلى الأمانة، مستشهدين بقولة ابنة شعيب.
ولذلك فتقسيم الأعمال بين الرجل والمرأة ينبغي أن يحافظ على قوى التماسك بينهما، والأمر كله يحتاج إلى دراسات دائبة في ظل أنواع مختلفة من النظم التنموية، وقبل أن أتحدث عن هذه النقطة الهامة (المرأة والتنمية) أذكر قصة قرأتها في مقال للدكتورة بنت الشاطئ -رحمها الله- قالت: إنها كانت تزور أديبة شهيرة في النمسا في أيام العطلة الأسبوعية، ولاحظت بنت الشاطئ أن الأديبة النمساوية الشهيرة قد شمرت عن ساعديها لتكنس البيت، وترتب الأثاث، وتقوم بنفسها على طهو الطعام، ولما أبصرت الأديبة النمساوية أن بنت الشاطئ تتعجب من هذا كله، قالت لها: إنني أحاول أن أكون امرأة، إن الحياة التي نعيشها في الغرب خلقت منا صنفًا ثالثًا؛ فلا الرجال رجال ولا النساء نساء، وأنا أحاول أن أحتفظ لنفسي ببعض مقومات المرأة.
المرأة والتنمية
عود إلى قضية المرأة والتنمية، ولنتذكر أننا يجب -في ظل نظام تنموي معين- أن نصوغ ونصمم منظومة الأعمال التي تحقق بها المرأة حاجة اقتصادية في الأسرة والمجتمع مع الحفاظ على قوى التماسك الأسري.
وفي القرى والنجوع عندما كنا أطفالا وصبيانا استقر هناك نظام للعمل مقسم بين الرجل والمرأة في ظل الظروف التنموية السائدة، وكان نظاما منتجا وعادلا ومحافظا على قوى التماسك في الأسرة، وفي ظل النظام التنموي الذي نعيشه الآن في المدن -حيث يتكدس معظم أهل مصر- أصبحت المرأة وأولادها مسجونين في شقق ضيقة تكفي بالكاد لنومهم، ولم يعد المنزل مكانًا منتجا، بل أصبح بالوعة استهلاكية؛ ومن ثم لم يعد هناك عمل تقوم به المرأة كما تقوم به امرأة الريف في بيتها الريفي. إن أعمال المنزل في المدن الآن قد لا تستغرق ساعة أو ساعتين، ويبقى اليوم كله أمام ربة المنزل وأولادها ليمضوه في مشاحنات وصراع ولهو ولعب.
إن النظام التنموي الذي انجرفنا إليه هو من صنيع قياداتنا الاقتصادية والسياسية التي تود أن تضع مصر كلها في مدينة واحدة وتحكم حولها الحصار الأمني.. وأنا لا أريد أن أضيع الوقت في إلقاء اللوم هنا وهناك، ولكن فلنعلم جميعًا أننا أمام كارثة تنموية نتجت عن الاكتظاظ في المدن مخالفين بذلك قول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ..."، ويعلق الإمام الرازي على هذه الآية بأن التفسح إن كان مطلوبًا في المجالس فهو في المجتمع أكثر طلبًا.. يفسح الإنسان لأخيه الإنسان في الحياة بإعانته على المضي فيها؛ أي بمساعدته ليجد لنفسه عملا.
والعمل الأهلي مدعو الآن لعمل شيء في مجال تصميم أنواع من التنمية الاستنقاذية، حتى ننقذ أهل المدن من هذا الموت التنموي الذي يعيشون فيه، وخاصة أن الدولة لاهية عن هذا الأمر، وإن كنت قد سمعت أن هناك محاولات أو نداءات في هذا الاتجاه من بعض الجهات في الدولة.. على كل حال على كل القوى الوطنية من كافة التوجهات أن تتساند وتتآزر في سبيل تصميم برامج تنموية تصلح للمرأة وغيرها في ظل ظروف الكارثة الاكتظاظية التي نعيشها وربما استفدنا من تجارب شعوب أخرى إن كان هناك مثيل لخيبتنا. إن هذا الاستنقاذ التنموي لن ينقذ أوقات المرأة فقط، وإنما سينقذ الأسرة كلها.
في طفولتي وصباي كان التعليم يمثل ثلاثين في المائة من نشاطي، بينما كانت بقية الوقت للعمل التنموي مع أسرتي في الحقل، وفي ورشة أبي لصناعة الأحذية، وفي العمل الاجتماعي.
أكرر أيها الشباب.. ركزوا على تجميع الأمة حول مشاريع تنموية تحفظ للأسرة تماسكها الداخلي وتماسكها الخارجي في مواجهة قوى الهيمنة، فلن نستطيع أن نقاوم الهيمنة وبطوننا جائعة وأعيننا زائغة وقلوبنا واجفة.
والله من وراء القصد
بقلم : د.سيد دسوقي
رد: لأسرة في القرآن.. محاولة للفهم
يعطيكي العافية
شكرا عالإفادة
الف شكر
شكرا عالإفادة
الف شكر
na3omi- مستشارة الموقع
- عدد المساهمات : 344
نقاط : 457
تاريخ التسجيل : 13/02/2010
العمر : 39
الموقع : baniass
رد: لأسرة في القرآن.. محاولة للفهم
[[color=red]size=24]
ألف شكر مدام لينا
مشكورة عالطرح الراقي والرائع
[/color][/size]مشكورة عالطرح الراقي والرائع
تاليــا- الإدارة
- عدد المساهمات : 323
نقاط : 532
تاريخ التسجيل : 13/02/2010
الموقع : على كف القدر
ღنـاروღ- مشرفة الصحة والمطبخ والديكور
- عدد المساهمات : 303
نقاط : 459
تاريخ التسجيل : 16/02/2010
الموقع : kuw
لولية- مشرفة القسم العام و البيئة والمجتمع
- عدد المساهمات : 603
نقاط : 956
تاريخ التسجيل : 14/02/2010
العمر : 36
الموقع : ببيتـ♥ـي..!! $:
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد مايو 01, 2011 6:57 pm من طرف أماني
» عيد ميلاد مييين؟؟أبو كريم؟؟؟؟
الثلاثاء يوليو 13, 2010 12:09 pm من طرف تاليــا
» حبل المشنقة
الجمعة يونيو 25, 2010 2:15 pm من طرف لولية
» أجوبة سكران في مادة النحو
الجمعة يونيو 25, 2010 2:12 pm من طرف لولية
» فروق لغوية
الجمعة يونيو 25, 2010 2:12 pm من طرف لولية
» الطفل الخاص والمدرسة
الجمعة يونيو 25, 2010 2:10 pm من طرف لولية
» كيـــف نواجـــــه الصدمـــات العاطفيـــــة..؟
الجمعة يونيو 25, 2010 2:06 pm من طرف لولية
» التلوث البترولي كاحد اهم صور التلوث البيئي في الخليج العربي
الجمعة يونيو 25, 2010 1:03 pm من طرف لولية
» تضارب أراء المصريين بعد خسارة الجزائر
السبت يونيو 19, 2010 6:49 pm من طرف na3omi
» أول مسجد من تصميم امرأة
الإثنين يونيو 14, 2010 10:35 am من طرف na3omi
» مسابقة شو هالمثل
الأحد يونيو 13, 2010 6:19 pm من طرف na3omi
» **خواتم وساعات**
السبت يونيو 12, 2010 8:27 am من طرف na3omi
» كل شي عن يوم الجمعة
الجمعة يونيو 11, 2010 2:30 pm من طرف لولية
» تجربة طالبات جامعيات على المشروبات
الجمعة يونيو 11, 2010 1:32 pm من طرف لولية
» الجملة في اللغة العربية
الجمعة يونيو 11, 2010 1:25 pm من طرف لولية